بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

30 نيسان 2024 12:01ص من إعلام العدو: الإسقاطات الهدَّامة لقرارات التوقيف في محكمة لاهاي

حجم الخط
عيدو روزنتسفايغ

تعزّزت التقديرات مؤخراً بأن محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (ICC) ستتخذ قراراً في الوقت القريب بإصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، وخصوصاً ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان، هليفي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب دولية بحسب ادعائها، وهُم ضالعون ومسؤولون عنها في إطار القتال في غزة.
وبحسب التقارير الجزئية، فإن المدّعي العام للمحكمة، كريم خان، سيتوجّه إلى الهيئة الخاصة في المحكمة ويطلب منها إصدار مذكرات الاعتقال. ومن المهم التوضيح منذ البداية أن المصادقة على القرار ليست تلقائية، فعلى الهيئة المكونة من 3 قضاة أن ترى أن هناك مبررات وأدلة كافية من أجل إصدار مذكرات الاعتقال.
وهذا المسار ليس فورياً كذلك، ويمكن أن يحتاج إلى عدة أسابيع، بالإضافة إلى أنه كلّما تقدّم المدعي العام خان في المسار من أجل إصدار أوامر اعتقال، فمن المتوقع أن يطلب أيضاً إصدار مذكرات اعتقال ضد زعماء حركة «حماس» في غزة (السنوار والضيف) وأيضاً في الخارج (على رأسهم هنية).
صحيح أن إسرائيل كانت عضواً فعّالاً في صوغ معاهدة روما التي تأسست عليها المحكمة، لكنها لم تصادق نهائياً على المعاهدة، ولذلك، فهي ليست طرفاً فيها، ولم تُمنح المحكمة الدولية صلاحيات تتعلق بأراضي سيطرتها أو بمواطنيها. وصلاحيات المحكمة ناجمة عن انضمام الفلسطينيين الإشكالي إلى معاهدة روما في كانون الثاني/يناير 2015.
ولا تعترف إسرائيل بوضع السلطة الفلسطينية ككيان سياسي يمكنه الانضمام إلى المعاهدة وإعطاء المحكمة الدولية صلاحيات، وهي تعارض معارضة شديدة مجرد الفحص والتحقيق، ولا تنوي التعاون مع أوامر الاعتقال.
عملياً، سيلحق إسرائيل ضرر كبير وغير قابل للإصلاح في الساحة الدولية، فلمذكرات الاعتقال الدولية إسقاطات أكثر من مجرد تطبيقها فعلياً؛ إذ إن مجرد نشر مذكرة الاعتقال سيضع رئيس الحكومة في الخانة نفسها مع رئيس روسيا الذي تم إصدار مذكرة اعتقال في حقه سابقاً.
هذا بالإضافة إلى أن إصدار مذكرات الاعتقال يمكن أن يعزز نيات الدول في الامتناع من بيع أسلحة وقطع غيار إلى إسرائيل، وربما كذلك يعزز وتيرة العزلة الدولية لإسرائيل الموجودة أصلاً. وفي حال كانت مذكرات الاعتقال تتطرّق إلى جرائم كإبادة شعب وتجويع، فإن إصدارها يمكن أن تكون له إسقاطات على المسار الذي يحدث في محكمة العدل الدولية الموجودة أيضاً في لاهاي بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، ويشجع القضاة على توسيع الأوامر الموقتة التي تم إصدارها المتعلقة بإسرائيل.
وعندما ننظر إلى الصورة الكاملة، يجب الإشارة إلى أن حكومة لبنان قررتْ مؤخراً منح محكمة الجنايات الدولية الصلاحية للحكم في جرائم تم ارتكابها على أراضيها بدءاً من 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولا شك في أنه بعكس سؤال مدى الشرعية بالنسبة إلى الفلسطينيين بمنح المحكمة الصلاحية، فإن للبنان الصلاحية الكاملة للقيام بذلك.
ومعنى هذا أن المدعي العام للمحكمة يستطيع قريباً البدء بتحقيق مسبق بشأن الجرائم الدولية التي حدثت في لبنان من جانب إسرائيل، لكن أيضاً فيما قامت به حكومة لبنان وتنظيم حزب الله (بحق إسرائيل وأيضاً سكان لبنان).
السيناريو المتفائل المتوقع أنه، في الحالتين، ستقوم محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات اعتقال ضد المسؤولين في «حماس» وحزب الله، أمّا السيناريو الواقعي أكثر، فيتطرّق إلى أنه، وبموازاة إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين في التنظيمات «الإرهابية»، فإنه سيتم أيضاً إصدار مذكرات ضد مسؤولين إسرائيليين. ومن أجل الحؤول دون حدوث ضرر في المدى البعيد (على الأقل تفادي الأضرار الممكنة أكثر مما حدث)، فإنه من المفيد أن يبدأ السياسيون في إسرائيل في التعامل مع قواعد القانون الدولي بجدية، وليس فقط بعد أن يدور دولاب العدل الدولي.
إن إحدى أدوات الدفاع التي ستستند إليها الدولة لمصلحتها هي المبدأ الذي يقول إن المحكمة الدولية تستطيع تطبيق صلاحياتها فقط في حال كان النظام القضائي في إسرائيل غير قادر أو غير معني بالعمل بصورة مستقلة ولائقة، لذلك، فمن المهم جداً التشديد على استقلالية القضاء الإسرائيلي، ونوعيته، وعدم تعلّقه بالسياسة المحلية.
وفي رأيي، يمكن رؤية المسارات القضائية ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية كنتيجة لإشكاليات منظومة القضاء الدولية الجنائية، وإصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين سيؤثر طبعاً في إسرائيل، وقدرة المسؤولين على التحرك ستكون محدودة كثيراً، وصورة إسرائيل كدولة تطبّق القانون سيلحق بها ضرر محرج، وستكون لذلك إسقاطات على العلاقات الدولية للدولة.
ومن جانب آخر، أشك في أن تستطيع منظومة القضاء الدولية وضْع يدها على زعماء «حماس» أو المسؤولين في حزب الله الذين لا يتجولون أصلاً في الدول الأعضاء لمعاهدة روما، ولذلك، فإن إمكان تسليمهم إلى المحكمة فعلياً، أو تأثرهم بصورة مباشرة بقرارات المحكمة، هو إمكان ضئيل جداً وغير ممكن تقريباً.

المصدر:معاريف
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية